قُدِّر لي أن أنجو وحدي: طفل يروي رحلة البقاء تحت الأنقاض في غزة
حين يُقصف البيت، لا تتناثر الحجارة فقط… بل تتفتت معها أرواح كاملة.
اسمي أنور، عمري تسع سنوات، وأكتب هذه الكلمات من سرير مستشفى في مدينة غزة. قبل أيام فقط، لم أكن أعرف إن كنت سأعيش لأحكي ما حدث. في ليلة صاخبة كأي ليلة أخرى من القصف، تحوّل بيتنا إلى ركام. لم أسمع سوى صراخ وانفجارات… ثم صمتٌ طويل.
“استيقظت وأنا تحت الحجارة، لا أرى شيئًا… فقط ظلام وصوت أنفاسي المتقطعة.”
لم أكن وحدي في الغرفة تلك الليلة. كانت أمي، وشقيقتاي، وجدّي معنا. صرخاتي الأولى لم تجد جوابًا، فقط الغبار والصمت. لا أعرف كم مضى من الوقت، لكن كل دقيقة كانت دهرًا. شعرت بالعطش، بالجوع، بالوحدة… بالخوف من أن يُنساني العالم.
في الخارج، لم يعلم أحد أني حيّ. كانت الأخبار تتحدث عن عشرات الضحايا في نفس المنطقة، والجرافات ترفع الحطام بلا أمل في العثور على أحياء. لكن تحت الأنقاض، كنت أنا — أنور، أتنفّس، وأتمسك بالحياة.
“كلما سمعت صوتًا في الخارج، صرخت بأعلى صوتي: أنا هنا! أرجوكم لا تتركوني.”
بعد 72 ساعة، وبينما كانت فرق الإنقاذ تستعد لإخلاء الموقع، سمع أحدهم صدى صوتي الخافت. حفروا، ورفعوا الحجارة بحذر، حتى وصلوا إليّ. لم أصدق أنني خرجت حيًا. كانت الشمس ساطعة، والهواء نقيًا، لكن قلبي كان مثقلًا. فقدت أمي… فقدت جدّي… لم أعد كما كنت.
الناجون من تحت الأنقاض لا يحملون فقط أجسادًا مُنهكة، بل ذاكرةً لا تشفى. منذ خروجي، تراودني كوابيس كل ليلة. أرفض أن أطفئ النور، وأخشى أن أنام. يقول الأطباء إنني بحاجة لعلاج نفسي، لكن في غزة، لا توجد جلسات استشفاء كافية. نحن نُرمَّم بالحب، لا بالمختصين.
رسالتي؟ أن يتم الاستماع إلينا. أن تعرفوا أن الأطفال في غزة لا يحلمون بالدراجات أو الألعاب… بل يحلمون أن يبقوا أحياء. أن لا يُقصفوا وهم نائمون. أن لا يتحول بيتهم إلى قبر.
“كل ما أريده أن أعيش مثل أي طفل… بلا أنقاض فوقي، بلا صواريخ من حولي.”
أنور هو صوت آلاف الأطفال في غزة. نجا من الموت، لكن الحرب تترك آثارها حتى على من يُكتب لهم البقاء. هذه ليست قصة عن قذيفة، بل عن الطفولة حين تُقصف. قصة نرويها لتُسمَع، لعلها تغيّر شيئًا في هذا العالم الصامت.