ثمن القطرات الأخيرة: رحلة العطش اليومية في غزة
في غزة، الماء ليس حقًا مضمونًا… بل امتحان يومي للبقاء.
منذ شروق الشمس، تبدأ أم حسن وابنتها الصغيرة “أمل” رحلتهما اليومية سيرًا على الأقدام. تحمل الأم جالونًا بلاستيكيًا ثقيلًا، فيما تجرّ الطفلة جالونًا أصغر منها. وجهتهما ليست نزهة، بل نقطة مياه عمومية على بعد كيلومترين. هدفهما؟ قطرات تكفي ليوم آخر.
في غزة، لا تنفتح الصنابير تلقائيًا. القصف دمّر البنية التحتية، والمياه الجوفية تلوّثت بسنوات من الحصار والإهمال. أكثر من 90% من المياه غير صالحة للشرب. كثير من الأطفال لا يعرفون طعم الماء النقي، بل طعم الملح والصدأ والانتظار.
“نغسل الخضار بالدموع، لا بالماء”، تقول أم حسن.
مع ندرة الوقود، تتوقف محطات التحلية. ومع انقطاع الكهرباء، تتوقف المضخات. ومع كل تأخير، يتراكم العطش. الجمعيات الخيرية توزع مياهًا محدودة، لكنها لا تكفي، خاصة في المخيمات المكتظة حيث يختلط الشرب بالغسيل بطبخ الرز للأطفال.
أمل، ابنة الثماني سنوات، تتعلم حساب القطرات. تعبئ القارورة، تحفظها، وتحرسها. في المدرسة، تشرب رشفة صغيرة فقط، وتحتفظ بالباقي لأخيها الصغير في البيت. لم تُصاب بعد بالكوليرا، لكن كثيرًا من زميلاتها أُصبن.
“أحلم أن أفتح الحنفية وأترك الماء يسيل… مثل الأطفال في الكرتون.”
رغم الأزمة، لا تنكسر الإرادة. شباب الأحياء يبتكرون حلولًا: صهاريج، مضخات يدوية، فلاتر شمسية، كل ذلك رغم القصف والحصار. لكن الحقيقة أن هذه المبادرات، رغم عظمتها، ليست حلًا دائمًا. ليست بديلًا عن الحق.
الماء ليس رفاهية. الماء حياة. وفي غزة، أصبحت الحياة تُقاس بالليترات.
إلى أن تُرفع المعاناة، تستمر الرحلة اليومية. وتستمر أمل في حمل جالونها، تسير فوق ترابٍ ساخن، فقط لتحمل قطرات… تُبقي العائلة على قيد الحياة.