سقف من خيمة: رُبى وأطفالها ينتظرون شتاءً لا يرحم في عرسال
في مخيمات عرسال على الحدود اللبنانية السورية، لا شيء يشبه البيوت… لا جدران، ولا أبواب، ولا نوافذ تُغلق. هناك، تسكن رُبى مع أطفالها الثلاثة في خيمة من قماش، تتناثر أطرافها مع كل عاصفة، ويهتز سقفها مع كل ريح شتوية.
رُبى، لاجئة سورية من ريف حمص، نزحت إلى لبنان قبل ثماني سنوات. كانت حاملاً بابنها الأوسط عندما عبرت الحدود سيرًا على الأقدام. توقعت أن نعود خلال شهر… الآن صار ابني الذي ولد في الخيمة في الصف الثالث، ولم يعرف بيتًا من قبل،
تقول وهي تحدّق في سقفها المرتجف.
حين زرت الخيمة، كانت الأرض مغطاة بالبلاستيك، والماء يتسرّب من الزوايا. في الزاوية الأخرى، يحترق القليل من الحطب في مدفأة معدنية صدئة. أحيانًا لا نجد شيئًا نحرقه، فنلتحف ببعضنا،
تضيف وهي تغطي قدمي طفلتها بثوبها المهترئ.
سألتها عن أصعب ليلة مرت عليهم، فابتلعت دمعتها وقالت: ليلة الثلج الكبير، سقط سقف الخيمة فوقنا، وبلّت الثياب، وكان ابني مريضًا بالحمى… شعرت أنني سأفقده ولن يسمع أحد.
في المخيم، لا ماء ساخن، لا كهرباء منتظمة، ولا وسائل تدفئة إلا ما تيسّر من حطب وأغطية. تقول ربى: الشتاء عدوّ لا نملك سلاحًا في وجهه، إلا الصبر.
في إحدى زوايا الخيمة، علّقت ربى صورة قديمة لزوجها المفقود منذ بداية الحرب. قال لي سأعود خلال أسبوع… مرّت 400 أسبوع ولم يرجع، ولا نعلم إن كان حيًا أو شهيدًا،
تقولها بصوت خافت.
المشهد أعاد إلى ذهني كلمات نزار قباني:
في المخيم… لا أسماء، لا أحلام، لا دفء
نحمل وطنًا على أكتافنا… ونمشي حفاةً نحو الغياب.
بحسب تقارير الأمم المتحدة، يعيش أكثر من 70 ألف لاجئ سوري في خيام غير مهيأة في عرسال، ويُعتبر الشتاء هناك من أقسى الفصول على اللاجئين، حيث تنخفض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر، وتنتشر الأمراض التنفسية بين الأطفال.
أطفال ربى الثلاثة لا يعرفون معنى “عطلة شتوية” أو “تدفئة مدرسية”. يسيرون إلى المدرسة في طين المخيم، بأحذية ممزقة، ودفاتر مبللة. ومع ذلك، تحرص ربى على تعليمهم. الحرب أخذت كل شيء، لكن لا أريد لها أن تأخذ عقولهم،
تقول بإصرار.
سألتها إن كانت تفكر بالعودة إلى سوريا، فقالت: وإلى أين؟ بيتي مهدّم، وقريتي صارت أنقاضًا. لو كان هناك مكان آمن، لذهبت، لكن لا أريد أن أموت مع أطفالي تحت أنقاض جديدة.
ومع كل هذه المعاناة، ما زالت ربى تبتسم كلما ضحك أحد أطفالها. ضحكتهم هي السقف الحقيقي الذي يحميني من الانهيار،
قالتها واحتضنت طفلتها الصغيرة.
في نهاية الزيارة، سألتها: ما الذي تطلبينه لو أتيحت لك فرصة واحدة؟
فأجابت: باب حقيقي يُغلق… فقط باب وخيمة لا تتسرّب منها السماء.
هناك، في عرسال، لا تنتظر الأسر السورية خبزًا فقط… بل تنتظر سقفًا لا يهتز، وصباحًا لا يبدأ بالبرد والخوف.