الخبز وحده لا يكفي: سائد وأطفال غزة في طوابير الجوع والحنان

الخبز وحده لا يكفي: سائد وأطفال غزة في طوابير الجوع والحنان

الساعة السادسة صباحًا، البرد يلسع الوجوه، والغبار يملأ الطرقات. قرب مكب نفايات في أطراف غزة، يقف مجموعة من الأطفال يحملون أكياسًا فارغة وأعينًا ممتلئة بما لا يجب أن تراه الطفولة. بينهم سائد، فتى في التاسعة من عمره، يضع قبعة مُمزقة على رأسه، ويقلب النفايات كمن يبحث عن كنز.

أوقات بنلاقي خبز ناشف… وأوقات رز، بس لازم نشمّ الريحة قبل ما نأكل، يقولها وكأنها قاعدة طبيعية في حياته اليومية. لا يبدو خائفًا من التلوث، بل من العودة إلى البيت بلا شيء.

سائد يعيش مع والدته وأخته الصغيرة في غرفة مهدّمة نصفها، بعد أن قُتل والده في قصف قديم. تقول والدته: ما عندي غيره… هو اللي بيحاول يطعمنا، وأنا قلبي بينكسر كل ما أشوفه راجع بإيده كيس وسخ عشان نعيش.

سألته ذات مرة: شو نفسك تأكل؟ فأجاب بصوت واثق: مش مهم الأكل… نفسي أنام وما أخاف، ونصحى نضحك، مش نركض ندور على الأكل. كانت الإجابة أكبر من عمره بكثير.

في غزة، لا تُقاس الفاقة فقط بعدد الأرغفة، بل بعدد الليالي التي ينام فيها الأطفال وهم يحتضنون الفراغ. تقول إحدى المتطوعات: المشكلة مش بس جوع… المشكلة إنهم ما عادوا يعرفوا معنى الحضن.

خطر في بالي حينها قول الأديبة غادة السمان:

نحتاج إلى من يأخذ أرواحنا من البرد، أكثر من حاجتنا لمن يملأ البطون.

في تقارير دولية صادرة عن “أوتشا”، تشير البيانات إلى أن أكثر من 65% من أطفال غزة يعيشون تحت خط الفقر الغذائي، وأن آلافًا منهم يفتقدون الحد الأدنى من السعرات اليومية. ومع ذلك، فإن الأرقام لا تشرح شيئًا من وجه سائد حين يبتسم بخجل وهو يقول: لقينا خبز اليوم!

في النهاية، حين سألته: شو بتحب تقول للناس اللي برّا؟ أجاب دون تردد: قولولهم إحنا مش بس جعانين… إحنا بدنا حضن، بدنا نلعب، بدنا نعيش زي كل الولاد.

قصة سائد ليست استثناءً، بل واحدة من آلاف القصص التي تتكرر كل صباح في غزة. لأن الخبز وحده لا يكفي، حين يغيب الأمان… ويغيب الحنان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *